عام >عام
الصيام لتهذيب النفس البشرية وليس لتعذيبها
الصيام لتهذيب النفس البشرية وليس لتعذيبها ‎الجمعة 9 06 2017 14:52
الصيام لتهذيب النفس البشرية وليس لتعذيبها

سماحة المفتي الشيخ سليم أنيس سوسان

الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان وجعله روحاً تحيا به النفوس، ونوراً تهتدي به العقول، وتستنير به القلوب، وتربية تستقيم بها الجوارح على صراط الله تعالى المستقيم، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول في محكم تنزيله {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى:52).
رمضان شهر صيام، والصوم إِمساكٌ عن الأكل والشرب والجماع وكل المفَطِّرات، بنيَّةِ التقرُّبِ إلى الله سبحانه من فجر اليوم إلى مغربه.
والصيام وسيلة إلى غاية نبيلة، إنه التدريب العملي على الحدِ من شهوات النفس المتسلطة وضبط زمامها، وكفها عن ميولها وأهوائها ونزواتها، وتربيتها على مراقبة الله تعالى، وتعويدها على التبتل والخوف والحياء منه سبحانه وتعالى.
إذن، الصيام في الإسلام لتهذيب النفس البشرية وليس لتعذيبها، فهو لتربيتها، وتزكيتها، ورقتها، لتذوق طعم الإيمان، ولذة الطاعة، فالصيام عبادة روحية، تسمو بصاحبها فوق الماديات، وترتقي به على الشهوات، ليصل بالصيام والقيام والصدقة وتلاوة القرآن والتوبة إلى درجة التقوى، التي هي علة الصيام، وحكمته، وغايته التي من أجلها شُـرع، فنحن نصوم لنحقق التقوى كما قال سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)
والتقوى بمعناها الشرعي حفظ النفس عما يُؤثم بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، تجنبا لعذابه والتقوى في أصلها أن يجعل العبد بينه وبين ما يخـشاه من ربه، من غضبه، وسخطه، وعقابه، وقاية تقيه من ذلك أي: أن تجعل بينك وبين ما حرّم الله حاجبا وحاجزا.
يقول سيدُنا عليٌ رضي الله عنه:»التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».
التقوى إذن: هي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإن الله عز وجل يراك، فهيَ اسْتِحْضَارُ قُرْبِهِ وَأَنَّك بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يَرَاكَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ وَالْخَوْفَ وَالْهَيْبَةَ وَالتَّعْظِيمَ،ولا يتجلى الصدق في التقوى حين يتجلى إلا إذا علم القلب بقرب الرب.
وكما أن شهر رمضان هو شهر صيام وقيام، وبذل وعطاء، فهو كذلك شهر شكر لنعمة نزول القرآن الكريم معجزة نبينا العظمى الدائمة المتميزة بميزات يعجز البشر عن تحقيقها.
والقرآن الكريم، هو النور الذي لا تنطفئ مصابيحه، والسراج الذي لا يخبو توقُده، والمنهاج الذي لا يَضِل ناهجه، والعزُّ الذي لا يُهزم أنصاره.
والقرآن روضة الصائمين، وسلوة الطائعين، ودليل السالكين، ولذة قلوب المتقين، إنه كلام رب العالمين، المنزّل على سيد المرسلين، بلسان عربيٍ مبين، هدى للمتقين، ونورًا للمؤمنين.
إننا نمر بظروف حساسة جداً يستعر فيها التحريض المذهبي والطائفي، ويراد أن تتوقف لغة العقل لإشعال الفتنة المذهبية التي سيتلطى منها الجميع، ويستفيد منها العدو الإسرائيلي، والمواطن بحاجة إلى تأمين قوت عياله، وتكاليف الكهرباء والمياه والاستشفاء والطبابة والتعليم، وكلها قضايا تثقل كاهله في ظل الظروف المعيشية الصعبة، لذلك نأمل من الجميع التعاون، وعدم وضع عصي التعطيل أمام عجلات حكومة الرئيس سعد الحريري.
وهنا يجب الإسراع بإنجاز قانون الانتخابات النيابية، وأن يكون قانوناً عادلاً، يتيح للناخبين اختيار ممثليهم الحقيقيين بعيداً عن المحاصصة، لأن الشلل في المؤسسات، والخلاف السياسي ينعكس سلباً على الوطن والمواطن.
وإننا في هذه المناسبة ندعو إلى ضرورة الإسراع بإنجاز محاكمة الموقوفين الإسلاميين، فلا يجوز أن يستمر الكثير منهم من دون محاكمة، وحتى إن بعض الأحكام التي قد تصدر لاحقاً، قد تكون متجاوزة المدة التي أمضوها في السجن.
وإننا إذ نمر بالذكرى الـ35 لغزو الاحتلال الإسرائيلي، نتذكر يوم توحدت مدينة صيدا وواجهت الاحتلال، ومنها انطلقت المقاومة، فتم تحريرها مع الجوار قبل استكمال تحرير المناطق المحتلة، على أمل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وأيضا الذكرى الـ50 لسقوط أول عاصمة عربية تحت رجس الاحتلال الإسرائيلي، حيث أن القدس اليوم بحاجة إلى دعمها للحؤول دون تنفيذ مؤامرة تهويدها، وأيضاً ضرورة دعم الشعب الفلسطيني لمواجهة مشاريع الاحتلال ومؤامرته.
إننا ندعو جميع القوى الفلسطينية في لبنان إلى العمل الجاد لمنع محاولات التوتير في المخيمات، لأن أهلها بحاجة إلى كل دعم واهتمام في ظل ظروفه الاجتماعية والمعيشية الصعبة.
لقد ارتبط القرآن الكريم بشهر رمضان ومن ذاك التاريخ أصبح شهر رمضان شهر القرآن ولأجل اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم..

* مفتي صيدا وأقضيتها.