مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
د. نبيل الراعي.. جمع بين الطب والمُقاومة والعمل السياسي والرياضي
د. نبيل الراعي.. جمع بين الطب والمُقاومة والعمل السياسي والرياضي ‎السبت 25 03 2023 08:56 هيثم زعيتر
د. نبيل الراعي.. جمع بين الطب والمُقاومة والعمل السياسي والرياضي

جنوبيات

هو النبيل، صاحب الابتسامة الدائمة، تراه في أكثر من موقع مُتقدّم، يحرص على تقديم الواجبات، والمُشاركة في الأفراح والأتراح. يمشي بين الناس بثغره الباسم، إيماناً منه بالحديث النبوي: "تبسّمك في وجه أخيك صدقة"، ليخطَّ سيرة حياةٍ، حافلة بالخير والعطاء، لأجل صيدا والجنوب ولبنان والأمة العربية والإسلامية.
هو الدكتور نبيل إبراهيم الراعي، المولود في "عاصمة الجنوب"، صيدا، في العام 1945، من أسرة مُعيلها الحاج "أبو علي" عمل في الزراعة، وكما غرس الأرض بالأشجار، التي أينعت ثماراً وارفة، غرس في أولاده، القيم والمُثُل، وعلّمهم أحسن تعليم، علي: محامٍ، ونبيل وعادل: طبيبان، فنفّذوا الوصية، بالتواضع وحب الآخرين ومُساعدتهم.
على مدى أكثر من 4 عقود من الزمن، عرفتُ الدكتور نبيل الراعي، في أكثر من مجال ومحطة ومُناسبة، لم تغيّره لا المراكز ولا الأيام، فبقي معدنه الأصيل.
فهناك مَنْ يترك بصمات إبداعية، لكن قلّة تكون في أكثر من مجال، والدكتور نبيل الراعي، واحد من هؤلاء النادرين.
سياسي مُخضرم، مُقاوم للاحتلال الإسرائيلي بأوجهٍ مُتعدّدة، جرّاح مُبدع، تربوي، ومُؤسّس للجمعيات، ورياضيٌ في محطات مفصلية، بين كل ذلك تحلّى بهمّة الشباب وعنفوانهم، ونظافة الكف، كما طيبة القلب والتواضع.
ولادته في صيدا، كانت قبل نكبة فلسطين بسنوات ثلاث، فوعى باكراً القضية التي ناضل لأجلها في مجالات مُتعدّدة.
تلقّى نبيل الراعي دراسته في "مدرسة فيصل"، التابعة لـ"جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في صيدا، فاستفاد من الانفتاح على التيّارات السياسية والقومية كافة، في عز "المد الناصري"، والتحق باكراً بـ"حركة القوميين العرب"، وفيها صُقِلَتْ طاقاته، بتعلّم التضحية والعطاء لأجل العروبة والأمة، فكانت القضية الفلسطينية، الركن الأساسي في شخصيته ونضاله، فقاوم الاحتلال بأشكال مُتعدّدة.
سافر إلى بريطانيا، حيث تخرّج طبيباً، وأكمل دراسته بتخصّص الجراحة في "جامعة القاهرة" في العام 1976، حيث عاد إلى لبنان، بعد جريمة اغتيال المُناضل معروف سعد، وكان في طليعة مَنْ وقف إلى جوار المُناضل مصطفى سعد، في "التنظيم الشعبي الناصري"، فأصبح نائباً لأمينه العام، وأميناً لسر اللجنة المركزية للتنظيم بين العامين 1977-1991.
حفلت تلك الحقبة، بأحداث عدّة، أبرزها: اجتياح 1978، غزو 1982، وتحرير صيدا من الاحتلال في شباط/فبراير 1985.
إثر الاحتلال الإسرائيلي لمدينة صيدا في حزيران/يونيو 1982، كان للدكتور نبيل دور أساسي في مُقاومة المُحتل، وبث الهمّة في نفوس الشباب لمُقاومته، ناقلاً إياهم وأسلحتهم في سيارته، ومُضمداً جراح مُقاومين من "التنظيم الناصري"، "الجماعة الإسلامية"، "جبهة المُقاومة الوطنية اللبنانية"، حركة "أمل" و"المُقاومة الإسلامية" مع ولادتها، كما الثورة الفلسطينية مُنذ انطلاقتها.
لم يكتفِ بذلك، بل كان يُؤمّن للمُقاومين ملاذاً وملجأً في منزله أو البستان أو لدى الأصدقاء، من الاحتلال الذي اعتقله، لكن لم يتمكّن من أنْ ينتزع منه أي معلومة عمَّنْ كان يُعالج من المُقاومين أو مخبأهم.
لعل أدق وأخطر المحطات في تلك الحقبة، كانت مُحاولة اغتيال المُناضل مصطفى سعد من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، في 21 كانون الثاني/يناير 1985، التي أُصيب فيها بجراح، واستشهدت كريمته ناتاشا وجاره المُهندس محمد طالب.
في تلك المرحلة، تجلّى دور الدكتور نبيل مع المُخلصين بالعمل على وأد الفتنة ولملمة الجراح، وتحقيق المُصالحات.
برز دور الدكتور نبيل بالعمل الرياضي، حيث ترأس "النادي الأهلي الرياضي" - صيدا ما بين العامين 1978-1994، والذي شهد صعوده للدرجة الأولى، وتحقيق بطولات في ألعابٍ عدّة، وتولّي رئاسة لجنة منطقة الجنوب.
في 2 أيار/مايو 1985، قاد الدكتور نبيل الراعي مع المُخلصين، انتفاضةً لتحرير اتحاد كرة القدم من الهيمنة والتفرّد، وتولّى رئاسة الاتحاد، حيث عادت الرياضة لتنطلق مُجدّداً، بعدما كانت قد توقفت إثر الحرب العبثية في لبنان.
تولّى منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية، فعمل على تنشيط الرياضة في لبنان، خصوصاً لعبة كرة القدم، واستضافة لبنان كأس آسيا لكرة القدم في العام 2000، وتشييد مدينة رياضية ضخمة في مدينة صيدا، بدعم من الرئيس رفيق الحريري، لتحمل اسمه بعد استشهاده.
استمرَّ الدكتور نبيل الراعي في رئاسة اتحاد كرة القدم، إلى العام 2001، بفعل تداعيات الانتخابات النيابية، وإصراره على الترشّح في العام 2000 في دائرة قضاء صيدا (الزهراني).
إيماناً منه بأهمية توفير الطبابة للفقراء وإغاثة الملهوفين، ساهم الطبيب الصيداوي، في إنشاء العديد من المُستوصفات في صيدا والزهراني والجنوب، وصولاً إلى "مُستشفى الراعي".
الأستاذً في "الجامعة اللبنانية" - قسم علم النفس - الفرع الخامس في صيدا، أولى تأسيس الجمعيات جل اهتمامه، فساهم في تأسيس العديد منها، وفي طليعتها "مُؤسسة معروف سعد" وغيرها من الجمعيات.
كان له دور هام في "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في صيدا، فتولّى منصب نائب رئيس مجلس الأمناء، خلال الفترة ما بين العامين 1985-1997، لخمس فترات مُتتالية، كان فيها أميناً على "المقاصد"، وحافظاً لإرثها ونهجها الإسلامي والوطني الصيداوي والعروبي.
هو المقاصدي، الوفي والإبن المُحِب لصيدا والجنوب، دائم التلاقي مع الآخرين، وإنْ اختلفت الأفكار، لكنه كان على أهبّة الاستعداد لتلبية نداء الواجب في العمل التربوي والثقافي، فعمل على تنشيط الجمعية، والحفاظ على دورها لتُؤدي الرسالة التي أنشئت من أجلها، تجاه مدينة صيدا والجوار، ونشر العلم والثقافة وبناءِ الأجيال.
خاض الدكتور نبيل الراعي تجربة الانتخابات النيابية في العام 1992، مُنفرداً، عن أحد المقاعد الشيعية الأربعة في مدينة صور، ونال 26130 صوتاً، رصيد من الأصوات يُعبّر عن محبّة الناس له، الذين بادلوه الوفاء، وهو الذي كان يلتقيهم سائراً على الأقدام، من أجل علاجهم والاطمئان عليهم.
حرص على مُساعدة الفقراء والمُحتاجين في الأوقات كافة، داخل المُستشفى، مُتفقّداً المرضى ويسأل عن حالهم وأحوالهم، يُسامح عاجزهم عن الدفع، إيماناً منه بأهمية التآخي ومُساعدة الفقراء والمُحتاجين.
صاحب واجب من الطراز المُميّز، ما رفع من رصيد محبّته لدى الناس، حيث يحرص على تلبية الدعوات، وتقديم واجب العزاء، والمُشاركة في الأفراح وحفلات التخرّج ومُختلف المُناسبات، وبتواضع، أينما وجدت كرسياً جلس.
نفتقد برحيل الدكتور نبيل الراعي، عزيزاً يُشهد له بمسيرته وتاريخه المُفعم بمحطات نضالية وإبداعية، تفتقده صيدا، ومعها كل لبنان، والشرفاء والأحرار في العالم العربي.
الجرّاح، الذي عالج الآلاف، لم يسعفه العلاج بزرع رئةٍ له، فأغمض عينيه في دولة الإمارات العربية المُتّحدة، يوم الأربعاء في 22 آذار/مارس 2023، عشيّة شهر رمضان المُبارك، قبل أنْ يُنقل الجثمان إلى صيدا، ويُوارى الثرى في أرض "عاصمة الجنوب والمقاومة"، التي أحب وناضل وقاوم فيها ومن خلالها، وهو ما يشهد له به الجميع.
رحم الله الطبيب الرحيم، وتغمّده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله ومُحبيه الصبر والسلوان.

المصدر : اللواء