بأقلامهم >بأقلامهم
"عصفوريّة.. وفلتانة"!
"عصفوريّة.. وفلتانة"! ‎الاثنين 3 04 2023 10:47 القاضي م جمال الحلو
"عصفوريّة.. وفلتانة"!

جنوبيات

لفتني من أيّام خلت منشور على الفيس بوك عائد لصفحة الصديق الأستاذ المميّز محمّد صيداني يقول فيه ما حرفيّته وباللهجة العامّيّة:

"مبروك! مبروك! وحّدنا الساعة، وأكّدنا الوحدة الوطنيّة، ورجع لبنان الرسالة وبلد التعايش. يلّا وين الاحتفالات؟! هيدا نهار وطني بامتياز! بسرعة جمّعوا عدد من رجال الدين، على عدد الطوائف والمذاهب يعني، يمسكوا إيدين بعض على درج المتحف الوطني، وعلى أنغام أغنية راجع يتعمّر لبنان ولاد، أكيد من مختلف المناطق كمان، يرقصوا الدبكة اللبنانيّة. 
هلّق الدولار طالع نازل والأسعار تلحقه بالطلعة مش بالنزلة والكهربا رايحة ما جايي والإنترنت عم يقطّش والمياه بالسيترنات… كلّه ما مهمّ. المهمّ وحّدنا الساعة ومرق القطوع… وإلى اللقاء مع أحداث جديدة من فيلم لبناني طويل…"
لقد قرأت هذا المنشور لأكثر من مرّة وفي كلّ مرّة ألتقط أبعادًا متعدّدة لتلك الكلمات المحكيّة تتماهى مع الواقع الأليم والمأزوم في بلد الحرمان والخذلان، والقهر والاستبداد ،والظّلم والجور، والكذب والبهتان.
كلمات تجعل المواطن اللبنانيّ المسكين يتسامر مع نفسه كالمجنون في عالم اللّامعقول. كيف لا والجنون فنون في بلد لا يشبه أي بلد في الكون الفسيح، يتقهقر فيه أتباع النبيّ محمّد، وأتباع السيّد المسيح، (عليهما السلام)، تحت أنظار الحكّام الظلّام، بدون أن يرفّ لهم جفن، ولا وازع من ضمير (لانعدامهما). 

وبومضة فكرٍ يحاكي الذّاكرة تذكّرت أحد أفلام الممثّل الكوميديّ الرّاحل "إسماعيل ياسين"، وتحديدًا فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"، حيث كان الممثّل المصريّ الرّاحل "حسن أتلة" يمثّل دوره كمجنون في ذاك الفيلم ويردّد عبارته الشّهيرة: "أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي". ويُعيدها لعدّة مرّات على إيقاع ساخر لواقع المجانين. 
وبموازاة هذا الفيلم تذكّرت المسلسل اللبنانيّ الشّهير في أوائل ثمانينات القرن الماضي بعنوان: "أربع مجانين وبسّ"، حيث ظهر الممثّل المميّز "صلاح مخلّلاتي" في تتر المسلسل "كمجنون يدقّ الجرس العظيم لساعة بيغ بن الشّهيرة في العاصمة البريطانيّة لندن".
والرّابط في الحدثَين الفنيَّين هو السّاعة التي قسمت ظهر البعير في بلد "التعتير" لبنان حيث أضحى الفقير اللبنانيّ على رأس قائمة المساكين في العالم. 

خلافٌ زمنيّ كاد يُطيح بالعيش المشترك على مِنبر التّخاطب الطائفيّ البغيض…
ولكي لا أستفيض حيث لا ينفع كنه المعروف داخل المظروف أقول وبالفم الملآن: إنّ القصّة في الحرب الأهليّة (التي نتمنّى ألّا تعود على الإطلاق) ليست قصّة "بوسطة عين الرمّانة"، كما أنّها ليست حكاية "قلوب مليانة"، إنّما هي رواية عصفوريّة، وفلتانة!
آخ يا بلدنا...

 

 

المصدر : جنوبيات