فلسطينيات >داخل فلسطين
رحيل أول أسير فلسطيني محمود بكر حجازي
رحيل أول أسير فلسطيني محمود بكر حجازي ‎الاثنين 22 03 2021 16:34
رحيل أول أسير فلسطيني محمود بكر حجازي

جنوبيات

تنعى حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" الى كل احرار العالم ابنها المناضل الوطني الكبير واول اسير لحركة فتح في معتقلات الاحتلال  الفدائي المناضل اللواء محمود بكر حجازي، الذي فارق الحياة اليوم بعد حياة أفناها في النضال والتضحية خدمة لقضية شعبنا العظيم ودفاعا عن حقوقه. 

والمناضل المرحوم بكر حجاري من مواليد القدس  العام ١٩٣٦ وعاش الم النكبة عام ١٩٤٨ و شارك في معارك الثورة الفلسطينية في بيروات والدفاع عن القرار الوطني المستقل.

هو أسير فلسطيني مُحرّر. يعد أوّل فلسطيني يتبع حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح  يقع في الأسر الإسرائيلي أسِر بعد تنفيذه مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين عملية لنسف أحد الجسور قرب بلدة بيت جبرين، وذلك يوم 17 يناير 1965 بعد عملية عيلبون، حيث اشتبك مع القوات الإسرائيلية وأمّن انسحاب أعضاء مجموعته الخمسة، وقد أصيب بجراح وقع إثرها في الأسر.

حكم عليه في إسرائيلي بالإعدام إلا أن الحكم لم ينفذ. وقد أفرج عنه في تاريخ 28 يناير 1971، بعد عملية تبادل للأسرى (أسير مقابل أسير) جرت ما بين الحكومة الإسرائيلية وحركة "فتح" وأطلق سراحه بموجبها مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي "شموئيل فايز" والذي أسرته حركة "فتح" في أواخر العام 1969م.


في عام 2009، فاز بانتخابات المجلس الثوري لحركة فتح  المؤتمر السادس  الذي عقد في بيت لحم وصار عضوًا فيه.

 

سيرته النضالية كما رواها 
يستذكر أول أسير فلسطيني محمود بكر حجازي تجربته الاعتقالية، وكيف نجا من الإعدام قبل 46 عاما، ويفخر بأنه كان سببا في استقالة عدد من أفراد حكومة إسرائيل في ذلك الوقت، بسبب تأييد بعضهم ورفض آخرين تنفيذ حكم الإعدام بحقه.


سيظل السابع عشر من كانون ثاني من كل عام، مناسبة خاصة لدى اللواء المتقاعد محمود بكر حجازي (75 عاما)، فهو يحفظ عن ظهر قلب، جميع التفاصيل في تلك الليلة، عندما كلف مع بعض الرجال بنسف جسر تستخدمه السيارات العسكرية الإسرائيلية قرب بيت جبرين في محافظة الخليل.


وقال لـوكالة وفا: 'كان سلاحنا بسيطا، بندقية إنجليزية، وخرطوش صيد، وبرميل بارود.. كنا صائمين، أفطرنا، وتوجهنا لتنفيذ العملية، وما أن أعطيت زميلي برميل البارود، حتى سمعت صوتا بالعبرية عدّ : واحد.. اثنان.. ثلاثة، ثم قال: أطلقوا النار.


وأضاف 'رميت نفسي على الأرض، واختبأت وراء صخرة، كان المطر يومها غزيرا، وبقيت أطلق النار إلى أن نفدت ذخيرتي.. عندها حاولت الانسحاب بتغطية من قنبلة يدوية كانت معي. وعلى مسافة بعيدة، كانت طائرات تنزل جنودا، وكنت أسمع أصوات كلاب تنبح.. كان الصراع في داخلي يتركز حول بقاء السلاح في يدي، لكن تفكيري قادني إلى أن هيئتي ستدل علي.. وقلت في نفسي إذن لا داعي لإلقاء سلاحي'.


فرص النجاة كانت ضيقة بالنسبة لحجازي، وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه أمام ثلاثة جنود، أمروه بالتوقف وإلقاء السلاح، قيدوا يديه ورجليه، وألقوا به في سيارة عسكرية، ثم نقلوه إلى مخفر لا يعرف أين يقع بالضبط. وصله مقيدا، لتبدأ رحلة العذاب.


'كان جندي يتسلى على كتفي بالضرب، وفتحوا لي تحقيقا، حينها ادعيت أني كنت متوجها إلى مصر. سألوني لماذا، أجبتهم: لتعلم الغناء، عندها قالوا لي: سمعنا صوتك، وبالطبع كل محاولاتي كانت بالنسبة لهم مكشوفة'.


ركّز حجازي على أنه لا يعرف شيئا عن التنظيم، فهو لا يعرف إلا نفسه من منفذي العملية، وهو بالكاد يعرف رموزهم، ورغم تنوع وسائل التحقيق، فتارة مع محقق شديد وتارة مع محقق أقل حدة، إلا أن كل ذلك لم يغير في ثبات حجازي شيئا.


تم احتجاز حجازي في الزنزانة رقم (139)، التي ما زال يتذكرها بجدرانها الخشنة، وحشرات 'البق' التي تنتشر فيها. وقال: 'أكل البق من جسمي كثيرا، ما كنت أعرف غير ملعقة وصحن وكأس بلاستيكي. قضيت أربع سنوات وثمانية أشهر في زنزانة بسجن الرملة المركزي، لي معها ذكريات لا يعلمها إلا الله'.


في بداية اعتقاله كان يسمع أصوات أناس يتعذبون، تبين له لاحقا أنها عبارة عن شريط مسجل يتم تشغيله من المحققين.

اتهم الاحتلال حجازي بقتل أطفال ونساء خلال عملية الخليل، وحُكم عليه بالإعدام.


ويفخر حجازي بأنه كان سببا في استقالة عدد من أفراد حكومة إسرائيل في ذلك الوقت، وذلك بسبب تأييد بعضهم ورفض آخرين تنفيذ حكم الإعدام بحقه.


رفض حجازي استئناف حكم الإعدام لأنه اعتبر ذلك اعترافا بالاحتلال وقوانينه، وأصر على مطلبه بأن يعامل كأسير حرب، وبالطبع رفض الطلب، فطلب منهم أن يدافع عنه محام فرنسي كان تولى الدفاع عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وتزوجها، وكان لهذا المحامي دور في إسقاط حكم الإعدام عن حجازي بعد خلافاته مع سلطة الاحتلال، وإلقائه منشورات تفضح ديمقراطية إسرائيل على أرض مطار بن غوريون.


بقي حجازي وحيدا، وقلص حكمه إلى السجن، وأمضى عامين معتقلا وحيدا في زنزانته في سجن الرملة، وبعد حرب 1967، بدأ السجن يعرف أسرى جددا.


في الثامن والعشرين من شباط عام 1971 تمت أول صفقة للتبادل، بين الفلسطينيين وإسرائيل، كان على رأس المفرج عنهم، محمود بكر حجازي، اتفق على أن يكون التبادل أسيرا مقابل أسير، وتم التبادل عند رأس الناقورة عبر الصليب الأحمر، بعدها انتقل حجازي للعيش في بيروت، وتزوج فلسطينية، وأنجب منها ثلاثة أولاد وثلاث بنات، وبقي في لبنان اثنتي عشرة سنة، قبل أن ينتقل إلى اليمن، ومنها عاد إلى أرض الوطن عام 1994 مع أول دفعة للأمن الوطني، أقام إلى غزة، وبعدها بعام ونصف توجه إلى الضفة الغربية وفيها استقر.
محمود بكر حجازي ولد لعائلة ميسورة من القدس عام 1936، أمضى منها اثني عشر عاما جارا للمسجد الأقصى، متنقلا بين حلقات الذكر في المسجد، ودروسه في مدرسة المصرارة الأساسية.


 وفي العام 1948 الذي شهد احتلال حي المصرارة، تحولت حياة الطفل المواظب على دروسه إلى المقاومة من خلال دوره في نقل بعض الذخيرة للمقاومين عبر الحواجز البريطانية؛ ورغم صغر سنه، إلا أنه كان يعمل ضمن فرقة التدمير التي شكلها أمين الحسيني للدفاع عن المدينة المقدسة، ولم تقتصر مهامه على إيصال الذخيرة، بل كان يتابع الألغام التي تزرعها العصابات الصهيونية ويقوم بتفكيكها، وتجميع بعض أجزائها ليستفيد منها المقاومون في صنع عبواتهم الناسفة.


ذات يوم عام 1948 احتجز حجازي لساعات، في أعقاب محاولته خطف بندقية من داخل سيارة عسكرية بريطانية. تعرض لضرب مبرح، لكن التهمة لم تثبت عليه، وساعده في ذلك صغر سنه.


عام 1950 وفي سن الرابعة عشرة، التحق حجازي بدورات عسكرية للحرس الوطني، ثم اختير مع مجموعة من المتدربين ليلتحقوا بالجيش الأردني، انخرط بعدها في صفوف لواء الحسين بن علي، وتدرج إلى أن وصل رتبة شاويش.


يوما ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبينما كان حجازي في مهمته بالحراسة وفي موقعه الممتد بين باب الجديد وباب الخليل، اتصل حجازي بزملائه، واتفقوا على مساندة مصر. وقال: أخذت رشاش برين إنجليزي من مستودع الذخيرة، وبدأت بإطلاق النار على القوات اليهودية المتواجدة على مشارف القدس؛ كان عقابنا عزلنا عن خدمة الحراسة'.


عام 1957، ترك حجازي الجيش الأردني، ليعود إلى حياته بعيدا عن العسكرية، 'كانت الحياة صعبة، ما زلت أتذكر مشاهد الحرب، ومجزرة دير ياسين، كنت أتساءل كيف أخذوا أرضنا، ولماذا'، ورغم ذلك ظل الأمل مزروعا في داخل الفلسطينيين بأنهم سيعودون وقريبا إلى ديارهم، ورغم زياراته المتكررة للأردن لم يفكر حجازي في الاستقرار هناك، 'فالعصفور الذي يعيش خارج سربه تأكله الغربان'.


عندما كان في سن الرابعة والعشرين، أي عام 1960 عمل حجازي مع شركة ألمانية تدعى 'زيبلين' وقضى حياته حتى عام 1965 متنقلا بين القدس والعقبة.

سجل العام 1963 عودة الشاب المقاتل إلى الحياة العسكرية التي لم تغب يوما عن تفكيره. وقال: 'زميل قال لي إن تنظيما جديدا يستقطب الشباب ذوي الخبرة العسكرية، وبعد جدال بيني وبينه حول هذا التنظيم، انتسبنا إليه'. كان هذا التنظيم المقصود حركة التحرير الوطني الفلسطيني 'فتح' التي كانت تعرف في ذلك الوقت بـ'حتف'، وكانت مهمة حجازي مراقبة إيلات بحكم عمله في العقبة.

وقبل الموعد الذي يعرفه الفلسطينيون جميعا على أنه انطلاق الثورة، أي تاريخ الفاتح من كانون الثاني لعام 1965، يعرفه حجازي بأنه تاريخ المهمة الأولى.

من هنا بدأت الحكاية، غير أنها لم تنته عندها، ذلك أن قصة 'التجربة' لدى الجد والمناضل حجازي طبعت ولا تزال في خريف حياته علامة فارقة ستظل محفورة في الذاكرة الشخصية ما دام صاحبها على قيد الحياة.

المصدر : جنوبيات