بأقلامهم >بأقلامهم
"الحبّ ما بين اللفظ والعيش"
"الحبّ ما بين اللفظ والعيش" ‎الأربعاء 5 10 2022 09:51 القاضي م جمال الحلو
"الحبّ ما بين اللفظ والعيش"

جنوبيات

إنّها قصّة من الأدب التركيّ أخبرنيها جارنا "أبو أحمد" وهو من أصل تركيّ، ويتميّز بثقافة عالية ويُلمّ بالفلسفة والحكمة، وقد أوردها لي على النحو الآتي: 

سئل أحد الحكماء يومًا: ما الفرق بين مَن يتلفّظ الحبّ وبين مَن يعيشه؟
فأجاب الحكيم: سترون الآن. ودعاهم إلى وليمة عامرة، وبدأ بالّذين لم تتجاوز كلمة المحبَّة شفاههم، ولم يُنزلوها بعد إلى قلوبهم. وجلس إلى المائدة وهم جلسوا بعده. ثمّ أحضر الحساء وسكبه لهم وأحضر لكلّ واحد منهم ملعقة بطول متر! واشترط عليهم أن يحتسوه بهذه الملعقة العجيبة. فحاولوا جاهدين ولكن لم يفلحوا، فكلّ واحد منهم لم يستطع أن يوصِل الحساء إلى فمه بدون أن يسكبه على الأرض. فقاموا جائعين في ذلك اليوم. 
وهنا قال الحكيم: حسنًا، والآن انظروا.
ودعا الذين يحملون الحبّ داخل قلوبهم إلى المائدة نفسها فأقبلوا والنّور يتلألأ من جوههم النضرة، وقدّم لهم الملاعق الطويلة نفسها.
فأخذ كلّ واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء ثمّ مدّها إلى الشخص الذي يقابله، والكلّ فعل هذا، وبذلك شبعوا جميعًا، ثمّ حمدوا الله.
وقف الحكيم وقال: "من يفكّر على مائدة الحياة أن يُشبع نفسه فقط، فسيبقى جائعًا. ومن يفكّر أن يُشبع أخاه سيَشبع الاثنان معًا".
فمن يعطي هو الرابح دومًا لا من يأخذ، ومن يهتمّ بأمور الآخرين تتوجّه الأنظار نحوه والتقدير والاحترام، ومن يساعد ذوي الحاجة سيقضي الله حوائجه. 
أمّا في لبناننا الحزين فالمسؤولون عندنا يأخذون ولا يعطون، ويظلمون ولا يعدلون، ويسلبون هناء العيش والشعب يتخبّط في مستنقع اللامبالاة ولا من يسأل! 
يقول أبو نؤاس:
حامل الهوى تعِبُ 
يستخفّه الطربُ 
إن بكى يُحَقُّ لهُ 
ليس ما به لَعِبُ 
تضحكينَ لاهيةً 
والمحبُّ ينتحبُ 
تعجبينَ من سقمي 
صحّتي هي العجبُ 
كلّما انقضى سببٌ 
منكِ عاد لي سببُ 

المصدر : جنوبيات