لم يكن حادث الكحالة قد وقع عندما التقى “الانتشار” مدير عام الأمن العام بالإنابة، اللواء الياس البيسري، لكنه في حسه الأمني. وهو الذي مضى عليه أكثر من أربعة وأربعين عامًا في السلك، بدا غير مطمئن للوضع الداخلي بشكل عام.

كان الحدث الطاغي في مطلع الأسبوع ما شهده مخيم عين الحلوة من معارك واشتباكات وصولًا إلى تعاميم سفارات دول خليجية لرعاياها بمغادرة لبنان بسرعة وعدم المجيء إليه. ومن هنا بدأنا الحديث لنطرح السؤال: هل أنت مطمئن إلى عدم تكرار هذا “السيناريو”؟ ليأتينا الجواب القاطع: “كل الاحتمالات واردة أمام هذا التداخل الإقليمي والغربي. لقد استقبلت أعضاء هيئة العمل الفلسطيني قبل أيام قليلة، وتضم ممثلين عن 22 فصيلًا فلسطينيًا، ولكل فصيل مرجعيته وقد صرّحت لهم بالقول إن لبنان، دون سائر البلدان العربية، واحتضن الفلسطينيين بعناية وعاملهم كأشقاء بالفعل وعليهم حفظ هذا الجميل وفعل ما أمكن ليكونوا عامل إطمئنان له لا مصدر قلق.”

وأضاف: “لقد سمحت لكم الدولة اللبنانية باقتناء السلاح لكن لحماية مخيماتكم من العدو الإسرائيلي لا للإقتتال في ما بينكم”.

وذكّر البيسري هنا كيف أن اللبنانيين هم أول من دعم القضية الفلسطينية. وكانوا يسيرون في التظاهرات المؤيدة لهم ويهتفون للثورة وهو عايش تلك الفترة بتفاصيلها.

وترك كلام اللواء البيسري ارتياحًا لدى من التقاهم، الذين راحوا يبعثون له رسائل نصية على هاتفه، ومنهم من ظن أنه لن يسمع مثل هذه العبارات من مسؤول ينتمي إلى الطائفة المارونية.

وعن ملف النازحين السوريين و”الضياع” الحاصل إزاءه بين المسؤولين، قال اللواء البيسري إن الموضوع شائكٌ من دون شك. فهناك الدولة السورية غير المؤهلة كاملًا لاستقبال النازحين، خصوصًا سكان أبناء المناطق المدمرة وانعدام البنية التحتية فيها، ناهيك عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي. فيما الجانب الأوروبي ومعه الأميركي يرفضان عودتهم حتى لا يصوّروا الأمر على أنه اعتراف بالرئيس بشار الأسد أو انتصار له. ولبنان لسوء الحظ واقع “في النص”. وما لم يصر الى انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام الدولة والخروج بموقف سياسي موحد لا يمكن لهذا الملف أن يصل إلى نهاية مقبولة.

وفي ما يخص “الداتا” التي أفرجت عنها أخيرًا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يفيد اللواء البيسري أن هذا الإفراج مفيد “ولكنه جاء بعد اجتماعات مضنية عقدتها هنا في مكتبي وتمسكنا بموقفنا الصارم الذي أبلغناه بوضوح كلي للمفوضية”.

ويكشف اللواء البيسري هنا أن جهود الأمن العام تمكنت من أعادة الآلاف من النازحين بشكل طوعي، ولكن هذا لا يكفي إن لم يكن هناك قرار واضح في هذا الشأن.

ومتى تفرج على جبهة “الباسبورات” التي تدفع الكثير من المواطنين إلى المجيء فجرًا إلى مراكز الأمن العام لأخذ رقم يجيز لهم الدخول والتقدم بطلبهم؟!

يؤكد اللواء البيسري أن الأمن العام يمنح “المضطر” جواز سفره بسرعة، وبينهم من يود الالتحاق بعمله أو أسرته أو لدواع طبية وغيرها، أما الذي يريد “الباسبور” للاحتياط كما يقول فعليه الانتظار. ومع ذلك، نحن نبذل ما بوسعنا لتلبية أصحاب الطلبات، علمًا أن هناك الآلاف من الجوازات لم يتسلمها أصحابها.

هذا ويبدي اللواء البيسري تفاؤله بحل كامل لمشكلة جوازات السفر بعد أن تبلغ من دولة عربية، راغبة في مساعدة جهاز “الأمن العام”، استعدادها لإنجاز معاملة طباعة مليون جواز وتحمل تكاليفها، على أن يتم ذلك في أواخر شهر أغسطس الجاري.