بأقلامهم >بأقلامهم
"فتوى مجنون"!



جنوبيات
لقد جاء في أقوال العرب:
"خذوا الحكمة من أفواه المجانين".
إنّه مثل يتداوله الكثيرون بدون معرفة منهم لأصله وفصله. فما هي قصّته؟
يُحكى أنّ رجلًا ثريًّا توفّاه الله في بلد بعيد عن بلده الأصليّ، ووصل خبر وفاته إلى عائلته.
وقد حدّد ولده البكر يومًا لتقبّل التّعازي، لكنّ أشقّاءه طالبوه بتوزيع الحصص الإرثيّة قبل واجب العزاء. فقال لهم: انتظروا حتّى ننتهي من مراسم العزاء وبعدها نتقاسم الميراث.
بيد أنّهم رفضوا ذلك، مطالبين بتقسيم التّركة قبل تقبّل العزاء، فأبى الشّقيق الأكبر ذلك، قائلًا:
إنّها سُبّة علينا، فماذا سيقول النّاس إن رأونا نقسم التّركة قبل انتهاء العزاء؟
على أثر ذلك ذهب أشقّاؤه إلى القضاء يشكونه.
فأرسل القاضي أمرًا بوجوب حضور الشّقيق الأكبر إلى مجلسه للنظر في الشّكوى.
أخذ الأخ المشكوّ منه يفكّر بما عليه فعله، فذهب إلى أحد عقلاء البلدة بغية أخذ المشورة، وكان معروفًا بسداد الرّأي.
وبعدما أخبره بالأمر سأله بأن يجد له مخرجًا، فقال له الحكيم:
اذهب إلى فلان يفتيك ويعطيك الحلّ. فأجابه:
ولكنْ فلان مجنون فكيف سيحلّ المشكلة التي عجز العقلاء عن حلّها؟
ردّ الحكيم:
لا تجادل، اذهب اليه وسترى.
ففعل والتقى بالمجنون وسرد عليه القصّة، فأفتاه المجنون قائلًا:
"قل لإخوانك، هل عندكم من يشهد أنّ أباكم قد توفّاه الله"؟
فقال الأخ طالب المشورة:
أصبت والله، كيف لم أفكّر في هذا؟ ولكن، خذوا الحكمة من أفواه المجانين!
ذهب الأخ الأكبر إلى المحكمة وقال للقاضي "ما قال له المجنون".
فقال القاضي:
إنّك محقّ في طلبك، وسأل الإخوة:
هل عندكم شهود؟
أجابوا:
إنّ أبانا تُوفّي في بلد بعيد وجاءنا الخبر بالتّواتر ولا يوجد شاهد على ذلك.
فقال لهم:
أحضروا الشّهود. وتؤجّل الجلسة حتّى المجيء بشاهد يثبت واقعة وفاة أبيكم.
وقد بقيت القضيّة عالقة لسنوات، حتّى تأكّدت واقعة الوفاة.
كم نحن بحاجة إلى مجنون، بالحكمة مفتون، لا يغشّ ولا يخون، حتّى يفتينا بإيجاد الحلول لهذا البلد المعلول.
فهل هذا معقول؟!
وهل مقبول أن يفتي مجنون يمتاز بحكمة العرض والطّول؟
أجبنا أيّها المسؤول!