بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - في الضجيج
بالنظام - في الضجيج ‎الجمعة 18 11 2022 23:15 زياد شبيب
بالنظام - في الضجيج

جنوبيات

في لبنان الكثير من قوانين الرقابة والمحاسبة ولكن القليل من التطبيق حيث يجب، والكثير من الإساءة في استعمال أدوات الملاحقة، إذ لا تزال هذه القوانين تُستعمل أدوات للانتقام وتصفية الحسابات. وهذا ما تدلّ عليه كثرة الفضائح أو ما يوصف كذلك من دون الوصول إلى ضبط واستعادة أية مبالغ من المال العام الذي أُنفِقَ ويُنفَق، وصولاً إلى انهيار مالي بسبب الاستدانة المفرطة والتوقف عن سداد مستحقاتها المأخوذة بشكل أساسي من الودائع في المصارف.

 
تكاثَرَ إقرار التشريعات الحديثة في هذا الإطار من دون فعالية تُذكر. فصدر قانون "مكافحة #الفساد في #القطاع العام" وتشكلت هيئته من دون أن تتمكن من مباشرة عملها، وصدرت نسخة حديثة من قانون الإثراء غير المشروع أو ما يُعرف بقانون "من أين لك هذا" الموجود منذ العام 1953 حين أقرّ مجلس النواب في العام 2020 تعديلات جوهرية في مضامينه لا سيما لجهة تجريم الاثراء غير المشروع بحدّ ذاته والتصريح الفعّال عن الذمة المالية. وقانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد رقم 214 الذي صدر بتاريخ 08/04/2021 تضمّن إنشاء "صندوق وطني" لإدارة واستثمار الأموال المستعادة، وحدّد وجهات استعمالها ومنها تقديم الهبات الى "مشاريع الدولة الرامية الى مكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة."
 
هذه التشريعات وكما يعلم المختصّون جاءت كاستجابة متأخرة لمقتضيات إتفاقية الأمم الـمتحدة لـمكافحة الفساد لعام 2003، والتي أصبح لبنان دولة طرفًا فيها منذ العام 2009، أن "إسترداد الـموجودات" ركنٌ من أركان مكافحة الفساد، وقد صدرت لامتصاص النقمة الشعبية إبان المظاهرات بعد الانهيار المالي والاقتصادي.
كَثُر في السنوات الأخيرة التسلّق فوق مأساة الشعب اللبناني المنهوب وازداد الضجيج المتعلق بمحاربة الفساد ولكن ذلك ساهم بالمقابل في فقدان اللبنانيين الثقة بإمكان حصول إصلاح حقيقي ومحاسبة جديّة، لا سيما أنه تزامن مع تجديد الانتخابات الأخيرة للطبقة نفسها الممسكة بالقرار السياسي وبقرار الإصلاح وبمفاصل الرقابة في الإدارة والقضاء، وأدى إلى إراحة المرتكبين وأضاع البوصلة عن الوجهة التي أرادها الشعب المنتفض.
 
إجهاض #انتفاضة الشعب ونتائج الانتخابات أدّيا إلى قيام استحالة فعلية أمام المحاسبة الحقيقية الفاعلة، لأن أحداً في السياسة لن يُقدم على محاسبة نفسه. وما يحصل منذ ذلك الحين لجوء إلى وسيلة الإخبار التي تأخذ أحياناً طابعاً استعراضياً، تُقدّم أمام النيابات العامة التي قد تقوم بملاحقات جدية وفاعلة أو تعمد إلى تحريك دعوى الحق العام أحياناً فقط لتجنّب الانطباع عن قلّة الفعالية.
 
النيابة العامة هي المرجع المخوّل قانوناً ممارسة دعوى الحق العام، وهي تطّلع على الجرائم الواقعة من خلال وسيلة أو أكثر من الوسائل من بينها التحقيقات التي تُجريها بنفسها، والتقارير التي تردها من السلطة الرسمية، أو من موظف علم بوقوع جريمة أثناء قيامه بوظيفته، والإستقصاءات الأولية التي تقوم بها الضابطة العدلية والمحاضر التي تضعها، بالإضافة إلى الشكاوى والإخبارات التي تردها.
المقصود بالشكوى تلك التي تصدر عن شخص المتضرر بالذات أو عن وكيله. أما الإخبار، فيصدر عن مُخبر عَلِمَ بالجريمة أو سمع عنها. ولهذا يسهل استعمال هذه الوسيلة بغض النظر عن جديّة المحتوى أو عن الافتراء.
 
الخدمة في الشأن العام وفي موقع له علاقة بالمال العام، أو على تماس مع مصالح إقتصادية أو مالية للقطاع الخاص، والخروج منه نظيف الكف أمر قد يبدو غير معتاد ولكنه ممكن، لا بل هو واجب. لكن الأصعب من ذلك هو الخروج من دون أعداء.

 

المصدر : النهار