بأقلامهم >بأقلامهم
الحقّ بالحجّ
الحقّ بالحجّ ‎الجمعة 18 04 2025 21:01 زياد شبيب
الحقّ بالحجّ

جنوبيات

ككلّ عام وفي سبت النور الذي يسبق أحد الفصح تقوم مجموعة من الغيارى بالسفر جوًّا إلى عمّان لإحضار شعلة من النور الذي يفيض من القبر المقدّس ويُصار إلى توزيعها على مساحة لبنان. هذا الجهد المقدّر أصبح تقليدًا سنويًّا ممكنًا بالنظر إلى التسهيلات المشكورة التي تقدّمها السلطات الأردنية وسائر الجهات المحليّة.

مرّة أخرى وككلّ عام لا بدّ من التذكير بأن هذه المبادرة المشكورة ما هي إلّا تعويض عن الحرمان المزمن من الحق بالحجّ إلى الأراضي المقدّسة في فلسطين في عيد الفصح، والذي طال أمده منذ احتلال القدس في هزيمة العام 1967.
في لبنان كان هنالك كثير من الحجّاج ممّن تسنّى لهم الحجّ إلى أورشليم القدس عندما كانت ما تزال تحت السيادة الأردنية، وربما لم يبقَ من ذلك الجيل أحد على قيد الحياة ليشهد على أهميّة اتصال مسيحيّي هذه البلاد بالأرض المقدّسة باعتبارها قبلتهم الوحيدة التي لا يغني عنها ولا يقوم مقامها أي موقع أو مدينة أو مزار في العالم شرقًا وغربًا.

الحجّ ليس فريضةً في المسيحيّة بل هو حقّ، ومرور العقود على حرمان أهل هذه الأرض منه لا يسقطه بالتقادم. وقد سبق القول بأن هذا الحق يجب أن يصار إلى المطالبة به وتأمين سبل ممارسته من قبل الأمم المتحدة بصرف النظر عن متغيّرات السياسة والحروب وبغض النظر عن مسار القضية الفلسطينية.

أصبح واضحًا للجميع بأن الهدف النهائي لدولة الاحتلال هو إزالة سكان فلسطين من المسيحيين والمسلمين والتخلص من كل معالم فلسطين وتحويلها إلى دولة يهودية بالكامل، وقد تتمكن من ذلك بالفعل بما تتمتّع به من قدرات على التدمير والقتل والتهجير تمارسها منذ العام 1948 وكان آخر فصولها الإبادة التي حصلت في غزّة وتحصل في الضفّة الغربية والقدس. ولكن دولة الاحتلال لن تتمكن إطلاقًا من إلغاء الطبيعة المقدّسة لتلك الأرض وتحديدًا للأماكن المقدّسة التي ترتبط بها أعداد كبيرة من المؤمنين في العالم ومنهم مسيحيّو هذه البلاد. أما الاستمرار في تجاهل حق هؤلاء في الحجّ وإجبارهم على انتظار تحرير فلسطين هو مزج للسياسي بالمقدّس وهو خطأ كبير يساهم في تحقيق أهداف الاحتلال وليس العكس.

على هذا الأساس يجب المطالبة بالحق بالحجّ، وعلى الحكومة اللبنانية أن تضع هذا المطلب في رأس قائمة المطالب التي على لبنان أن يتمسّك بها وأن يبدأ اليوم قبل الغد بشرحها للمنظمة الدولية. وهذا من دون انتظار مسارات السلام أو التطبيع التي يُحكى عنها. فالمطلب المذكور يمكن لا بل يجب التفكير بسبل تحقيقه حتى في الأوضاع الراهنة من دون أن تترتب عليه أية تنازلات سياسية. فالأمم المتحدة ملزمة بتأمين السبل والممرات التي تسمّى إنسانية في مثل هذه الأحوال وهذا المفهوم معروف في القانون الدولي، وعلى هذا الأساس يجب التفكير جديًّا بطرح متكامل يقوم على تنظيم قوافل حجّ في كل عام تتكفّل بها الأمم المتحدة وتنظمها تحت علَمِها وتتولى تأمين مساراتها وفق القانون الدولي.

بعض اللبنانيين المقيمين في الخارج والذين يحملون جوازات سفر أجنبية يسافر إلى فلسطين لأهداف دينية لتجنّب الملاحقة القانونية في لبنان في جرم دخول الأرض التي يحتلّها العدو كما يقول القانون. هذا سبب إضافي لكي تتحول الفكرة إلى طرح حقيقي تتبناه الدولة وهي تستعيد اليوم سيادتها، ولا يمكن المزايدة عليها في ذلك أو تعييرها إن هي أقدمت على طرح حقّ ثابت من حقوق أبنائها.

المصدر : النهار