بأقلامهم >بأقلامهم
خشبةُ عارٍ عرَّتْ بشريَّةً من الخطيئة…



جنوبيات
عيدُ الفصحِ ليس ثوبًا جديدًا نُعانقُ به المرايا ولا عرضَ أزياءٍ موسميٍّ يتهادى في أروقةِ الكنائسِ، ليسَ مجرّدَ زحمةِ شموعٍ تتراقصُ ألسنةُ نارِها بين أيْدٍ تبحثُ عن طقوسٍ أكثرَ من بحثِها عن معانٍ…
الفصحُ أعظمُ من كلِّ ذلك، هو أقدسُ رسالةٍ عرفها التاريخُ؛
الفصحُ حكايةٌ كتَبتْها السماءُ بِدَمِها ووَشَمتها الأرضُ عند أقدامِ الصليبِ؛
هو أعظمُ قصّةِ حبٍّ خطَّها الدّمُ على خشبةِ المصلوب،
حبٌّ سارَ إلى الألمِ طوْعًا واحتملَ الموتَ عن الذين أنكَروا، وغفَرَ للذين صَلَبوا وأحبَّ الذين هجروه. يسوعُ، حينَ ماتَ على الصليبِ، لم يكُن يسردُ حكايةً عابرةً، بل كان يكتبُ بقيامَتِه حكايتَنا نحنُ …
فعندما نقولُ "القيامة"، لا نعني حدثًا بعيدًا وقعَ قبل ألفَي عامٍ، بل نتحدّثُ عن قيامتِنا نحنُ مِن حُطامِنا، مِن قُبور يأسِنا ومِن سلاسِل خطايانا؛
والجمعةُ العظيمةُ ليست مواكبَ زياحٍ تسيرُ خلفَ صليبٍ نحمِلُه بأيدينا وننسى أن نَحمِلَه بقلوبِنا، فعظَمَتُها في جسدٍ مُسمَّرٍ، في دمٍ يسيلُ ليكتُبَ حياةً جديدةً وفي كلمةٍ خُتِمَت عند الغروب:
"قد تمَّ كلُّ شيءٍ"!
تمَّت النبواتُ، تمَّت الذبيحةُ، تمَّت المصالحةُ بين الأرضِ والسماء،
تمَّ أنَّ الله أحبَّ الإنسانَ حتى النهايةِ… حتى الصليبِ… حتى القيامة!
كلمةٌ أخيرةٌ، هزَّت صمْتَ الخليقةِ، وكتَبَت في الأبدِ:
إنها ليسَت نهايةَ الحكايةِ… بل بدايتَها!
غدًا، أحدُ القيامةِ، أحدُ عظمةِ الخالقِ ومَجدِ المصلوب؛
غدًا، تتّحِدُ الأرضُ بالسماءِ والإلهُ بالإنسانِ؛
غدًا، تنهَضُ الحجارةُ عند القبور وتُبعَثُ الأرواحُ مِن ظِلالِها، ويرتفِعُ رجاءُ الحياةِ فوقَ غُبارِ الموتِ؛
قيامةٌ ليست للتقويمِ وحدَهُ، بل قيامةٌ مِن أحقادِنا، مِن خصوماتِنا الصغيرةِ، مِن زلاّتِ قلوبِنا، مِن جِراحٍ لَم تُشْفَ وكلماتٍ لمْ تُقال،
عسى أنْ يحلَّ هذا العيدُ سلامًا لا يتوقّفُ بين السماءِ والأرضِ، بل ينسابُ مِن قلبٍ إلى قلبٍ، مِن روحٍ إلى روحٍ، مِن صديقٍ إلى خصمٍ ومِن حليفٍ إلى غريمٍ، مِن إنسانٍ إلى إنسانٍ؛
فما قيمةُ مصالحةِ السماء والأرضِ إن بَقِيَ الإنسانُ عدُوَّ الإنسانِ؟
إن كان المسيحُ ومِن أجلِ الإنسانِ، تتألَّمَ وماتَ وقُبِرَ ثمَّ قام، حقًّا قام!