عربيات ودوليات >اخبار عربية
مصر عشية ذكرى «ثورة 25 يناير».. كل ما يتحرك هدف!
مصر عشية ذكرى «ثورة 25 يناير».. كل ما يتحرك هدف! ‎السبت 9 01 2016 13:56
مصر عشية ذكرى «ثورة 25 يناير».. كل ما يتحرك هدف!
متظاهرون لدى اندلاع شرارة «ثورة 25 يناير» العام 2011


«لماذا تطالب مجموعة بثورة جديدة في 25 يناير؟ هل تريدون أن تضيعوا هذا البلد وتدمروا الناس والعباد؟ أنتم لستم في حاجة الى أن تنزلوا... انظروا حولكم إلى دول قريبة منّا لا أحب أن أذكر اسمها، وهي تعاني منذ 30 عاما ولا تستطيع أن ترجع... والدول التي تدمر لا تعود».
هكذا حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من التظاهر في الذكرى الخامسة لـ «ثورة 25 يناير»، في كلمة ألقاها خلال احتفال وزارة الأوقاف بالمولد النبوي قبل نحو شهر من حلول ذكرى الثورة.
الدعوات إلى التظاهر في ذكرى «ثورة 25 يناير» أُطلقت قبل نحو شهرين، ولكنها لم تشهد الزخم والتعبئة اللذين شهدتهما دعوات سابقة. ولا يوجد ما يوحي بأن الذكرى الخامسة ستشهد ثورة جديدة، أو حتى تظاهرات ضخمة.
ومع ذلك، فإنّ تلك الدعوات كانت كافية لإزعاج السلطة في مصر، لدرجة تصدي رئيس الدولة بنفسه للتحذير منها، برغم التأكيد المستمر على قيمة «ثورة 25 يناير»، ومرجعيتها للنظام المصري الحالي، وحتى إصدار قانون يجرم الإساءة للثورة.
لم يتوقف الأمر عند تحذير رئيس الجمهورية، فالأسابيع السابقة على ذكرى الثورة تشهد استنفاراً أمنيا غير مسبوق، بحيث أصبحت كل الإجراءات الأمنية واردة، فما تبقى من قيادات حركة «6 أبريل» خارج السجن يجري اعتقالهم بتهمة التحريض، مع أن الحركة الشابة لم تتبنَ رسميا دعوة النزول إلى الشارع.
والغريب أن هذه الاجراءات لم تقتصر على شباب «6 ابريل»، بل طالت مؤسسي حركة «تمرد»، الذين يدين لهم النظام الحالي، ولو نظريا بالحشد في «ثورة 30 يونيو» العام 2013، حيث جرى اعتقال عدد منهم في إطار ما يشبه حالة الهلع الأمني، كما ألقي القبض على آخرين بتهمة الانتماء إلى تنظيم «25 يناير»، وهي مجموعة جديدة، لا تعرف بالضبط خلفياتها، ولم يظهر أي أثر لها خارج نطاق محاضر التحقيقات مع المعتقلين.
والمدهش كذلك، أن الإجراءات الأمنية لم تقتصر على الناشطين في العمل السياسي، فقد داهمت أجهزة الأمن مركزاً للفنون والثقافة والمسرح في وسط القاهرة وأغلقته، ضمن عدد من الأماكن الثقافية الأخرى، من بينها دار «ميريت» للنشر، في ما بدا توجهاً لمحاصرة أي أماكن للتجمع والنقاش المفتوح.
هذه الإجراءات سبقتها حملة إعلامية محمومة، انبرى فيها الإعلاميون لتحريض أجهزة الدولة المستنفرة أصلا، ضد أي دعوة إلى التظاهر في ذكرى الثورة، وانتشرت مطالبات صريحة باعتقال الداعين إلى التظاهر.
ومن جانب آخر، لم يوفر النظام المصري ـ الذي اعتبر منقذا للبلاد من الحكم الديني ـ الخطاب الديني نفسه في التحذير من تظاهرات «25 يناير». وعلى هذا الأساس، تصدى رجال الدين لدعوات التظاهر واعتبروها تحريضاً على الفتنة، كما تسربت خطبة صلاة جمعة رسمية قبل موعدها على مواقع التواصل الاجتماعي ـ لم تتأكد صحتها بعد ـ وقد امتلأت بالتحذيرات من دعاوي الفتن، مطالبة بالاصطفاف الوطني، ومحذرة من الفوضى.
اللافت أن بعض القوى السياسية المعارضة، والشخصيات المحسوبة على الثورة، حذرت بدورها من الدعوات للتظاهر في ذكرى «25 يناير»، وذلك بذريعة احتمال استفادة «الإخوان المسلمين» من تلك الدعوات.
الاستنفار غير المسبوق لأجهزة الدولة المصرية، سواء الأمنية أو السياسية أو الإعلامية أو حتى الدينية، في استقبال ذكرى «ثورة 25 يناير» لا يبدو له مبرر واضح، إذ لا يوجد في الأفق أي تهديد جدي للنظام الحاكم، الذي يتباهى دائما بشعبيته وبحب الجماهير له، فالقوة السياسية الأكبر التي ترفض النظام جذرياً، وتعتبره «غير شرعي»، هي جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تبدو منشغلة حالياً بصراعاتها الداخلية وأزماتها التنظيمية والسياسية الناتجة عن أسباب كثيرة منها الملاحقة الأمنية لها. أما «القوى الثورية» الأخرى فتعاني من الضعف والحصار، ولا تملك القدرة الحقيقية على الحشد والتعبئة بما يهدد النظام، أو حتى يزعجه.
ويبقى السؤال: ما الذي يستنفر الدولة إلى هذه الدرجة؟
لا يمكن فهم ذلك الاستنفار من قبل أجهزة الدولة قبيل ذكرى الثورة، وفي ظل غياب تهديد حقيقي للنظام الحاكم، إلا في سياق سعي النظام الدائم لمحو آثار «ثورة 25 يناير».
وبعد الزج بالكثير من شباب «ثورة 25 يناير» في السجون ـ حتى أن بعضهم سجن بتهم تعود الى مناهضتهم لحكم محمد مرسي ـ وشن حملات التشهير والتشويه ضد رموز الثورة من شخصيات عامة وإعلامية وفكرية، توسع الهجوم ليشمل حلفاء النظام ومؤيديه ممن كانت لديهم صلة بالثورة.
وفي المقابل، تم تحرير حسني مبارك ورجاله الذين سجنتهم الثورة.
المجال العام الذي فتحته «ثورة 25 يناير»، التي جعلت الحق في التظاهر والاحتجاج والمعارضة حقوقاً غير قابلة للنقاش، جرى إغلاقه سواء عبر القوانين التي صدرت بتقييد الحق في التظاهر، أو بالممارسات الأمنية. أما الإعلاميون والكتاب الذي ظهروا مع الثورة وساندوها وانحازوا إليها، اختفوا تدريجيا ولم يبق منهم أحد تقريبا. وحتى رسوم الـ «غرافيتي» الثورية التي كانت تغطي جدران القاهرة تم محوها!
تحت شعار مواجهة الإرهاب والاصطفاف الوطني، والأحاديث عن المؤامرة، جرى محو آثار «ثورة 25 يناير»، واحدا تلو الآخر، فلم يبق منها سوى ذكرى اليوم الذي انتفضت فيه الجماهير.
برغم كل ذلك، لا يبدو أن النظام الذي انتفضت ضده الجماهير في يوم عيد الشرطة قد نسي أو تسامح في ما واجهه في ذلك اليوم. والثورة التي نجحت اجهزة الدولة المصرية في إزالة أثارها وتفريغها من أي مضمون، ما زالت ذكراها تمثل كابوساً لنظام يبدو وكأنه يتمنى ألا يأتي يوم «25 يناير» كل عام. وكأنه يعلم عن الثورة أكثر مما يعلمه الثوار أنفسهم!