بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - "أم الشرائع"
بالنظام  - "أم الشرائع" ‎الجمعة 9 02 2024 10:24 زياد شبيب
بالنظام  - "أم الشرائع"

جنوبيات

لا شك أن انتخاب #نواف سلام رئيساً ل#محكمة العدل الدولية يشكّل مصدر فخر للبنان عامةً وللمجتمع الحقوقي خاصةً في لبنان والعالم العربي، وهذا من منطلقين، الأول توقيت ارتقائه إلى رئاسة المحكمة الدولية أثناء نظرها بإحدى أهمّ الدعاوى التي عرفتها وهي الدعوى المقدمة من دولة #جنوب أفريقيا ضدّ دولة الاحتلال الاسرائيلي على خلفية ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية في #فلسطين، وبعد القرار التاريخي الإعدادي الذي أصدرته المحكمة وما حمله من توجهات تؤشر على شكل ومضامين الحكم النهائي الذي سوف تصدره في القضية. والمنطلق الثاني يندرج في إطارٍ تاريخي أوسع مدىً من آنيّة القرار، إذ بفضل هذا الانتخاب أُضيف إلى سجل هذا البلد المعذّب نجاح إضافي كبير ستتكلم عنه الأجيال الآتية. وفي هذا السياق يحضر كتاب صدر حديثاً للقاضي بسام الياس الحاج بعنوان "قضاة لبنانيون وعرب في محكمة العدل الدولية" يتضمن إسهامات القضاة اللبنانيين والعرب الذين سبق أن كانوا في المحكمة كما يتضمن دراسة مختصرة حول المحكمة وأبرز القضايا التي نظرت بها، وهو ما يعطي فكرة عن البعد التاريخي لعضوية المحكمة ورئاستها.

في خضمّ الأخبار عن اتصالات التهنئة التي انهالت على الرئيس الجديد للمحكمة من شخصيات لبنانية وبيانات التعبير عن الفخر والاعتزاز، بالإضافة إلى التعليقات الأخرى المندرجة في سياق مستمر وموقف من الرجل إبان طرح اسمه لتولي رئاسة الحكومة، كان لافتاً ما كتبه نواف سلام على منصة X وهو ما يستحق التوقف عنده ليس لأنه يعبر خير تعبير عن مزايا شخصه بل أيضاً يكشف رؤيته لتاريخيّة الحدث. فبالإضافة إلى قوله بأن انتخابه رئيساً لمحكمة العدل الدولية مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي، أضاف سلام بأن أول ما يحضر إلى ذهنه أيضاً في هذه اللحظة هو همّه الدائم أن تعود مدينته بيروت أمّاً للشرائع كما هو لقبها وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا وأن يسود العدل بين أبنائه. وهذا القول يجمع بين المنطلق الآنيّ المتصل بالقضية الأهم التي تنظر فيها المحكمة وتتخذ فيها قرارات كبرى، وبين البعد التاريخي والمسؤولية التاريخية للحدث.

أما الإشارة إلى بيروت ولقبها "أم الشرائع" فهو الأكثر دلالةً تاريخيةً. وبيروت حين استحقت ذلك اللقب لم تحصل عليه إلّا ببراعة حقوقييها وأساتذة مدرسة الحقوق الرومانية فيها، التي ذاع صيتها آنذاك واستمرت لقرون قبلة طلاب وأساتذة العالم القديم حتى أتى عليها الزلزال الرهيب الذي دمّر المدينة العام 551 ميلادية.

كان اللقب الذي استحقه كبار أساتذة مدرسة بيروت هو "الأستاذ المسكوني" أي الذي يحظى باعتراف واحترام المسكونة برمتها، ولهذا استعان الامبراطور جوستينيانس الكبير بعدد منهم، وهم دوروتيوس وأناطوليوس ويوليانوس (الثابت انتسابهم إلى مدرسة بيروت ثبوتاً أكيداً، إلى جانب سواهم مِمّن لا يتوفر لهم مثل هذا الثبوت، كما ورد في كتاب الراحل إميل بجاني "مدرسة بيروت للحقوق" الصادر عن دار النهار للنشر)، وذلك لتحقيق مشروعه الكبير آنذاك وهو مجموعة التشريعات التي أصدرها بين العامين 533 و534 وحملت اسمه والتي بقيت مصدراً تنهل منه قوانين العصر الحديث ولا سيما القانون المدني الفرنسي أو قانون نابوليون الذي ما يزال نافذاً ومنه استقت تشريعات كثيرة أحكامها ومنها قانون الموجبات والعقود اللبناني.

انتخاب نواف سلام اليوم على رأس محكمة العدل الدولية يعيد لهذا اللقب شيئاً من معناه في ظل ما آلت إليه حال العدالة في لبنان، على أمل أن يسمح التاريخ بإعادة بناء دولة الحق والقانون فيه.

المصدر : النهار