بأقلامهم >بأقلامهم
تفنيد سردية "فشل الاحتلال في تحقيق اهدافه " وتعرية التضليل ..!



جنوبيات
خداعٌ بلغة التحليل :
منذ أن تفجّر العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، برز خطابٌ إعلامي وتحليلي يركّز ـ بلهجة تقريرية ـ على أن الاحتلال الإسرائيلي "فشل في تحقيق أهدافه". وقد راج هذا التوصيف في أوساط عربية ودولية عديدة، وكأنه خلاصة محايدة وموضوعية.
غير أن هذا الخطاب، في جوهره، يُعيد إنتاج الجريمة بلغة خادعة، ويُسهم في شرعنة استمرار العدوان على قطاع غزة، عن وعي أو عن جهل.
فمتى كان فشل القاتل في بلوغ غايته مبررًا لاستمرار جريمته؟
ومنذ متى يُقرأ العدوان على شعب محاصر ومحاصر ومجوع، بوصفه معركة متكافئة تُقاس بالمكاسب والخسائر؟
أولًا: السياق الحقيقي ، غزة ليست طرفًا في حرب،
غزة ليست طرفًا سياسيًا أو عسكريًا في "معركة" يمكن توصيفها بالانتصار أو الهزيمة.
بل هي منطقة فلسطينية ضيقة و محاصَرة ، خاضعة للاحتلال منذ عقود، ويُمارس عليها عدوان متعدد الأشكال منذ سيطرت عليها حركة حماس بإنقلاب مدعوم من سلطة الإحتلالالإسرائيلي ومن قوىإقليميةودوليةلإضعافالقرارالفلسطينيالمستقل .
عملية السابع من أكتوبر، التي بادرت بها حركة حماس، استُغلت من قبل الاحتلال كمبرر لتفعيل مشروعه الأصلي: تفكيك البنية السكانية والاجتماعية لغزة، وإنهاء وجودها كإقليم قابل للحياة.
العدوان إذًا ليس ردًا، بل استكمالٌ لما خُطط له مسبقًا.
والسردية التي تختزل ما جرى في "رد غير ناجح على هجوم"، تُضلل الرأي العام وتُجرّد الجريمة من عمقها السياسي والإنساني.
ثانيًا: النتائج على الأرض – إبادة لا معركة
الأرقام وحدها تكفي لتكذيب من يزعم أن الاحتلال لم ينجح في تحقيق اهدافه :
أكثر من 200 ألف إنسان بين شهيد وجريح وأسير ومفقود.
أكثر من 70% من البنية التحتية في القطاع دُمّرت كليًا أو جزئيًا.
نزوح قسري جماعي لمليوني إنسان بلا مأوى ولا ضمانات للعودة خيث دمرت مساكنهم عن بكرتها .
انهيار منظومة الصحة، والتعليم، والخدمات الأساسية.
تحويل غزة إلى بيئة غير صالحة وغير قابلة للحياة زطاردة للسكان .
إن كان هذا فشلًا، فما هو النجاح؟!
ثالثًا: جوهر التضليل – التطبيع مع الجريمة
التحليل الذي يدّعي الحياد حين يتحدث عن “فشل العدو” دون تسمية ما يحدث بوضوح، يُشكّل تواطؤًا لغويًا ومعنويا مع ما تعرضت له غزة .
ما هوإلا تجميل لفظي لمجزرة مكتملة الأركان، يخدع الرأي العام، ويجعل من الجريمة مشهدًا "قيد المراجعة" بدل أن تكون موضع إدانة مطلقة.
التحليل هنا لا يُفسر الواقع، بل يُعيد ترميزه، ويحيله إلى مشروع غير مكتمل، وكأن المطلوب من الاحتلال فقط أن يُحسن الأداء العسكري، لا أن يتوقف عن القتل.
رابعًا: المطلوب هو خطاب الحقيقة ، لا الحياد الكاذب والمخادع والمضلل ، والتماهي مع الجريمة ، ولم يتورع البعض المحللين، من وصفها انتصارا.
ما يحتاجه العالم اليوم ليس تقييم أداء المعتدي ، هل نجح ام فشل في تحقيق هدفه لمعلن .، بل الوقوف الصارم في وجه مشروعه الإبادي التهجيري الإحلالي العنصري .
ليس من العقل أو الأخلاق قياس الجريمة بمسطرة الأداء العسكري.
بل المطلوب هو: تسمية ما جرى ويجري في غزة بأنه جريمة حرب وإبادة جماعية تتوالى مراحلها وفصولها .
المطلوب فضح كل خطاب يبرر أو يخفف أو يُفرغ العدوان من جوهره ويحوله لإنتصارات كاذبة وزائفة تغطي على المأساة الحقيقيةالتي يتعرض اليها الغزي.
يجب استعادة لغة الضحية، وتقديم الرواية من عمق الجرح لا من خلف المكاتب.
خلاصة الأمر لا تحليل فوق الدم، حين يتحول التحليل من قبل المحللين المضللين والمستثمرين في الدم والمعاناة إلى ستار دخان فوق جريمة عارية، يصبح هذا شريكًا في الجريمة و الكارثة.
وحين تُوزن الإبادة بمقاييس "الفشل" و"النجاح"، نفقد إنسانيتنا.
غزة ليست ميدانًا للتحليل و للمفردات، بل هي شاهدٌ حيٌّ على انحدار العالم وسقوط الأخلاق الإنسانية .
كفى تبريرًا. كفى تواطؤًا لغويًا بل ومعنويا مع حرب الإبادة والتهجيرلشعبنا الفلسطيني ونقطه.
كفى قتلاً باسم التحليل المضلل والمزيف للواقع ، وبإسم فشل العدوان الإسرائيلي و فشل نتن ياهو في تحقيق اهدافه المعلنة من حملته العسكرية على قطاع غزة ، وتصوير غزة في حالة انتصار ، ونتن ياهو في وكيانه في حالةعزلة دولية وانهزام ، ...!
د. عبدالرحيم جاموس
الرياض 7/5/2025 م Pcommety@hotmail.com