مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
رحيل "أبو ياسين" الشيخ ياسين... "الجندي المجهول"



رحل في مدينة صيدا واحدٌ ممن أحبّها، كما أحبّه أهلها وسكّانها.
بهدوء، رحل طارق حكمت الشيخ ياسين "أبو ياسين"، بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل الدؤوب، ظلّ خلالها نشِطاً على مدار الساعة، لا يعرف التعب ولا التراخي.. لا الأزمات ولا الأحداث ولا القصف؛ وكل ذلك لم يمنعه من خدمة الناس بصمت.
رحل عن صيدا رجلٌ طيّب، بعد عمرٍ أمضاه في خدمة الناس من دون انقطاع، حاضراً في كل حين، مُتفانياً في أداء ما اعتاد فعله بلا ضجيج.
على مدى أكثر من أربعة عقود، عرفنا "أبو ياسين"، فلم يكن مُجرّد مسؤول في "كراج حبلي للسيارات" بساحة النجمة، وسط المدينة، بل كان قلباً نابضاً بالحياة، وحلقة وصل في كل أزمة، وحاضراً حيث تُطلب المُساعدة، من دون أن يُسأل.
خلال الأحداث والحروب والاعتداءات الإسرائيلية، شكّل "أبو ياسين" سنداً حقيقياً للصحافيين والمُصوّرين، يُسهم في تأمين الرسائل التي تضمّ الأخبار، والتقارير، والصور، من صيدا والجنوب إلى مقارّ الصحف والمجلات ومحطات التلفزة في بيروت، لإيصال الحقيقة إلى العالم، قبل زمن الإنترنت وتطوّر وسائل الاتصال، وكذلك استقبال الصحف فجراً لتوزيعها على القراء.
كان صامتاً في حضوره، فاعلاً في أثره، مُخلصاً في نقل الحقيقة، حتى وإن بقي خلف الكواليس، كـ"جندي مجهول".
لم تكن مُساهماته تقتصر على الإعلام. فقد كان، في الوقت نفسه، يُتابع أمور الطلاب الجامعيين، الذين كانت عائلاتهم تُؤمّن عليه لنقلهم، حيث كان حريصاً على تأمين إيصالهم إلى جامعاتهم، وكذلك إعادتهم، فعمل بصمت، مُتحملاً همومهم كأنهم من أهله، وهم كذلك فعلاً.
كان يحنّ إلى مسقط رأس أهله في فلسطين، التي نزحوا عنها قسراً بفعل الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم ينسَ قضيته. فبقي وفياً لأرضه وشعبه، حاملاً الوطن في قلبه.
عاش في صيدا التي احتضنته واحتضنها، فأحبّ المدينة بكل جوارحه، كأنها قطعة من روحه، حتى أصبح ركناً من أركانها الإنسانية والاجتماعية.
في صيدا، أنشأ أسرة كريمة صالحة، تربّت على القيم التي جسّدها: الكرامة، الالتزام، التضحية، والعمل بلا كلل أو ملل. واتسعت أسرته لتشمل كل من لجأ إليه في وقت الحاجة، فلبّى النداء من دون توانٍ، ولم يغب يوماً عن ساحات الموقف.
يرحل "أبو ياسين" بعد مسيرة لم تهدأ يوماً.. عاش مع الناس، وظلّ في خدمتهم حتى آخر نَفَس.
سيبقى أثره حيّاً في صيدا، وفي ذاكرة من عرفه، وفي كل يدٍ مدّ لها العون يوماً… تُروى عنه الحكايات.
لروحه الرحمة والسلام، ولعائلته ومُحبّيه أحرّ التعازي.