بأقلامهم >بأقلامهم
الجوعُ كافرٌ.. لكنَّنا لا نكفر!
الجوعُ كافرٌ.. لكنَّنا لا نكفر! ‎الأربعاء 28 05 2025 09:05 د. عبد الرحيم جاموس
الجوعُ كافرٌ.. لكنَّنا لا نكفر!

جنوبيات

في زمنٍ يتهاوى فيه كلُّ شيءٍ أمام آلة الحرب، يبقى الفلسطيني واقفًا، لا تُملي عليه جراحُهُ الصمت، ولا يُغريه الجوعُ بالركوع.
هذه القصيدة لا ترثي المجاعة ولا تُدينُ الجائع، بل تُدينُ من زرعها، وتُعيد للكرامة وجهها الحقيقي في عيون السائرين حفاةً نحو المجهول، وكلُّ واحدٍ منهم يحمل في خطاه معنى الحياة، لا معنى التسوّل.
هي شهادةُ وجدانٍ على أنَّ الاحتلال هو الجريمة، وأنَّ الحصار صورةٌ أخرى من الإبادة، وأنَّ الجوع كافر... لكننا لا نكفر....!

عرَفوا كيفَ يُطفِئونَ..
 مواقدَ الصبرِ،
ويُفرِغونَ أفواهَ الأمهاتِ..
من الترانيم،
كيفَ يُقصُّونَ أجنحةَ الرغيفِ،
ويَدفِنونَ الحنطةَ في الدبّابات،
ثمَّ يكتبونَ على الحصارِ:
"شرعيٌّ...
 باسمِ الخوفِ من الحياة...."
***
يا وجعَ الجنوبِ،...
يا ظلَّ اللهِ في أرضٍ تُصلَبُ كلَّ فجر،...
رَفَحُ ليستْ بابَ السماءِ،..
لكنّها صارتْ مِحرابًا للجوعى،..
تبكي على أكتافِهم،
وتَمسحُ عن جباهِهم
عَارَ السؤالِ الممنوع....!
***
نَمشي...
نَمشي بأقدامٍ شاختْ ..
 منْ صمتٍ طويل،
بقلوبٍ منقوعةٍ ..
في الزعترِ والخذلان،..
نمشي بلا وجهةٍ،
إلّا وجهَ "كرتونةٍ"
فيها شيءٌ منَ الأرزِّ...
وشيءٌ منَ الذلِّ العابرِ للهوية....
***
نَحملُ أبناءَنا كتمائمَ حلمٍ،..
نَحملُ أوطانَنا في أكياسِ النيلون،..
نُغنّي للعدمِ،..
نُسكِتُ الجوعَ بالحكاياتِ،
فمَن قالَ إنّنا نعيشُ....؟
نحنُ نؤرِّخُ للبقاءِ بالمشي،..
بالدُّموعِ التي لا تُرى،..
وبالكرامةِ التي لا تُكسَر....!
***
أنا لستُ كافرًا...
لكنَّ الجوعَ كافر،..
وأنا أُصلِّي كلَّ يومٍ ..
 على خبزٍ لا يأتي،..
وأُسبِّحُ في طوابيرَ..
تنتهي عندَ بابٍ ..
كُتِبَ عليهِ:
"ممنوعٌ...
إلّا بإذنِ المحتَلّ.....!"
***
أيّها الجائعُ...
يا ناهضًا من رُكامِ رغيفِك،..
اِمشِ على النارِ كأنّها وطنٌ،..
وانهَضْ كما تَنهَضُ السّنابلُ ..
منَ الحريق،
فأنتَ، لا الخبزُ،
مَن يُشبِهُ الحياة....!
***
نحنُ لا نركعُ...
ولو انكسَرَتْ فينا كلُّ قافية،..
نحنُ لا نركعُ...
لأنَّ ما تبقّى منّا،
ما يزالُ حرًّا،
ما يزالُ شاعرًا،
ما يزالُ يكتبُ على الجدارِ الأخير:
"لن نُهزَم...
 طالما الجوعُ لا يُطفِئُ الحُلم.....!"

المصدر : جنوبيات