بأقلامهم >بأقلامهم
لماذا المطالبة بتقسيم بلدية بيروت؟



جنوبيات
قامت القيامة ولم تقعد حين طرح النائب غسان حاصباني موضوع تقسيم بلدية بيروت. والطرح بطبيعته لا يتناقض مع المنطق السياسي للقوات طوال تاريخها فهي تكوّنت في زمن كانت فيه بيروت مقسّمة الى شرقية وغربية.
تصريح حاصباني الذي سبق الاستحقاق الانتخابي أثار ردود فعل ورفع ناشطون ومرشحون شعارات تدعو لرفض التقسيم لما يمثله من عودة مرفوضة إلى زمن الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي.
رغم غوص الكثيرين في الجدل الذي أثاره طرح إنشاء مجلس بلدي خاص بدائرة بيروت الأولى، لم يلتفت أحد إلى المسببات التي تدفع البعض إلى تبنّي هذه المشاريع، أي تقسيم بلدية بيروت. عضو سابق في بلدية بيروت يعتبر ببساطة ووضوح أن أبرز أسباب هذا الطرح هو غياب بلدية بيروت بسلطتيها التشريعية والتنفيذية عن المشهد العام في العاصمة بيروت. والتقسيم عندما يُطرح فهو يعكس شعوراً لدى شرائح واسعة من المجتمع البيروتي بالنقمة تجاه كل من محافظ بيروت المجلس البلدي، لإنهما مسؤولان عن تأمين كل ما تحتاجه العاصمة بطريقة عادلة بين مختلف المناطق.
سنتان وبلدية بيروت شاهدة على انهيار العاصمة ومرافقها وشعبها وسكانها، يضيف العضو السابق، دون أن تقوم البلدية بأي جهد أو عمل جديّ في سبيل رفع معاناة الناس أو التخفيف منها. لا بل أن المشاريع أصبحت معدومة والإنارة مقطوعة والنفايات متراكمة والحفر على «مد عينك والنظر». كل ذلك على قاعدة: انك إذا لم تعمل شيئاً فإنك لن تخطئ، وبالتالي لن تتعرّض للانتقاد.
هذه السياسة خاطئة طبعاً ولكن السياسة المناقضة لها مدمرة أيضاً، وصرف الملايين من الدولارات في «لجنة المناقصات» على مدار سنوات طويلة، كان يجب أن يتزامن مع إنماء مستدام وإنشاء مؤسسات بلدية تساعد المواطنين في الأزمنة الصعبة التي تمرُّ فيها العاصمة، وبدلاً من تحقيق هذه الأهداف، ها هو المجلس البلدي اليوم يُخرّج مرشحين للانتخابات النيابية يحاولون القفز من المركب الذي يغرق ويظنون أن الناس غافلة عما قام به البعض منهم وما كتبه قلمهم في محاضر الجلسات.
معالجة الوضع السيئ الذي تمرُّ به العاصمة لا يكون عبر تقسيمها، بل المطلوب تغيير من هم في سدّة المسؤولية اليوم، لانهم أثبتوا فشلهم وعجزهم عن تقديم لبيروت ما يحتاجه أهلها، في الاشرفية والرميل والمدور والصيفي كما في المزرعة والطريق الجديدة والمصيطبة ورأس بيروت وزقاق البلاط وحتى في وسط بيروت.
أوساط بيروتية متابعة لشؤون العاصمة أكدت لـ «اللواء»، أن سوء المعاملة، الذي لحق كافة مناطق بيروت يُحتّم على المواطنين محاسبة المسؤولين عن هذا التقصير. لكن الحل ليس في التقسيم أبداً، بل في اختيار شخصيات قادرة على إدارة بيروت بشفافية وحنكة ورؤية وجرأة دون الاختباء خلف أقنعة سقطت مع سقوط شهداء مرفأ بيروت على باب عنبر الموت في ٤ آب ٢٠٢٠.
الأوساط البيروتية نفسها لاحظت بأن تداول موضوع تقسيم بيروت طُرح في الماضي ويعود الى الواجهة اليوم، ولكن هذا الموضوع غاب كلياً طوال عهد المحافظ السابق زياد شبيب. والسبب بحسب الأوساط أن الطروحات التقسيمية تتصاعد بصورة طبيعية عند غياب الإدارة الحريصة على الانماء الشامل، وفي الفترة الممتدة بين عامي ٢٠١٤ و٢٠٢٠ حظيت أحياء بيروت برمتّها وبما فيها أحياء الدائرة الأولى باهتمام واضح، فقد تمّ إقفال مسلخ بيروت لأسباب صحية وتم وضع مشروع مسلخ حديث في الشويفات كما تم إقفال سوق السمك في الكرنتينا لأجل تحسين أوضاعه الصحية، وجرى افتتاح حديقة الكرنتينا، وتمّت إستعادة أملاك البلدية من شركة سوكلين ووضع مشروع إقامة مبنى بلدي موحّد عليه، كما تم إنشاء وسطيات مزينة بالأشجار والشتول في جميع الشوارع الرئيسية، رغم إهمالها لاحقاً، وتم استملاك عقارات عدة بهدف إنشاء مواقف سيارات وملاعب رياضية وغيرها الكثير من المشاريع والقرارات الجريئة، لذلك لم يشعر أحد من القوى السياسية وممثليها بأية حاجة للمطالبة بالتقسيم.